منذ نعومة أظافرها نعلمها كيف تطيع دون تمرد نعلمها كيف تسمع الأوامر دون عصيان نعلمها كيف تحسب ألف حساب لأفعالها و أقوالها.. نعلمها كيف تستعد منذ أول يوم في حياتها لتكون ابنة مطيعة ثم أختا مطيعة ثم أخيرا زوجة مطيعة جدا جدا
نزرع في عقل المرأة الباطن و الواعي هواجس مسار حياة مقرر لها أن تمشي عليها دون أن نعطيها الحق لتسأل لماذا حتى.. و تظل حياتها محطات انتظار لشخص مجهول، لا تعرف اسمه و لا كيف يفكر و لا عاداته.. ندع لها القوس مفتوحا لتطلق العنان لخيالها كي تتوقع ماهية ذلك الشخص القادم يوما و تحاول مسبقا أن تحضر نفسها لتكون أفضل هدية يمكنه الحصول عليها.
لا تتحدثي بهذه الطريقة ماذا سيقول عنك الناس؟ عذريتك هي كنزك لا تدعي أحدا يمسه.. لماذا قصصت شعرك بهذه الطريقة ماذا لو أتى أحدهم لخطبتك؟ يجب عليك أن تكوني طباخة ماهرة و عاملة تنظيف لا مثيل لها و مفكرة مناسبات لا تعرف الكلل.
و ننسى أو نتناسى أن شرف المرأة هو مبادئها و وعيها التام بذاتها قبل أن يكون مجرد كتلة هلامية من الشرايين الدموية الصغيرة و أن الأعمال التي نوجبها بها هي في الأصل غير ملزمة بتأديتها بل بطواعية منها و عن طيب خاطر.
و عوض أن نقسم تعاليم مجتمعاتنا المقدسة بالعدل بين الرجل و المرأة، فنعلمه مثلا كيف يحترم أمه و أخته ثم زوجته و كيف يكون مرتبا في حياته الشخصية و ألا ينتظر دائما من خادمة ما أن ترتب كل الفوضى التي يتركها وراءه كل يوم.. نلقي بثقل تلك المسؤولية على كتف تلك المسكينة.
حتى عندما تستقل المرأة بذاتها يكون استقلالها ليزال مربوطا بتلك الخيوط الخفية لأن قراراتها و تصرفاتها دائما تبقى رهينة ببرمجة مسبقة تشبعت بها أفكارها عن غير وعي يوما ما.. فبعض من زميلاتي في أيام الدراسة كن من الذكاء و المهارة بما يمكنهن من تسلق سلم النجاح الباهر في جميع المجالات العلمية لكن عندما تتحدث إلى إحداهن تقول بكل سذاجة أنها لن تتردد في ترك كل ما كافحت لأجله سنوات و ليال مع أول فرصة زواج معتقدة حد اليقين – بسبب تلك البرمجة – أن الهروب إلى الزواج هو أنجع حل لمشكلات العالم متجاهلة أننا حين نحب شخصا لا يجعلنا هذا نخضع له حد العبودية، لأن الحب الحقيقي لا يلغي شخصياتنا بل يجليها و لا يجب أن يقصي ذلك الجزء من الحرية الشخصية في حياتنا.
و كعادتنا... ننسى أنه لا داعي للصراخ و الهتاف و العويل في التعبير عن حقوق المرأة لأننا – كمجتمع – نحرمها من ذلك ونغلق أذاننا عن ذاك الصوت الداخلي الذي يدفعنا للإقرار بأن المرأة لم تخلق لوظيفة غريزية واحدة فقط بل هي كائن عاقل حر له الحق في اكتساب التوعية الكافية و العلم الكافي ليقرر مصيره بنفسه.