July 7, 2009

اعترافات... تحت تأثير الهذيان


ثمة بركة ساكنة ممتدة إلى آخر الكون في أعماقي... أنت وحدك من استطاع تحريكها

مع الكثير منهم... احترفت كلمات الحب

و مع الكثير منهم.... كتبت شعرا، و نثرا، و قلت الكثير الكثير من السخافات

معك أنت فقط.... جلست في الصف الأخير و آمنت بالحب في صمت جليل

خانني الكثير منهم

و خنت الكثير منهم

معك أنت فقط.... تعمدت خيانتك فلم أستطع

و بكيتك بطعم الشوق

الكثير منهم... ودعته و عدت منه كالبقايا

و الكثير منهم... ودعته و عدت منه كمساحات من الألم

معك أنت فقط... ودعتك لأكرر جنون العودة إليك

مع الكثير منهم.... ارتديت رداء الأستذة

و مع الكثير منهم.... ادعيت، و ابتدعت، و تذاكيت

معك أنت فقط... أحببت جهلي داخل مدرستك

الكثير منهم.... جعل مني ملاكا مهووسا بقيم هلامية

و الكثير منهم... جعل مني شيطانا معربدا فوق رماد أحاسيسه

معك أنت فقط...... اكتشفت كم أنا إنسانة



July 1, 2009

متاهة سفر


صعدت درج القطار أحمل حقائبي وسط زحام لا يطاق، ألعن الحظ الذي جعلني أبيع سيارتي و ألجأ لوسيلة نقل لا يهم أصحابها سوى جمع المال دون الاهتمام براحة زبائنهم
تارة أحمل الحقائب أمامي أفسح بها الطريق و تارة أخرى أجدها ورائي لا تستطيع مقاومة شدة التصاق الناس بي من كل جانب، كل شخص يحاول إيجاد مكان له.. لا مجال هنا لاختيار مكان مريح فلأزج بي في أي مقعد كان حتى لا أضطر للوقوف طول الطريق.. هكذا همست في نفسي و أنا أحاول وضع حقائبي على الرفوف المثبتة فوق المقاعد.. ألقيت بجسدي المنهك على المقعد الجلدي وأدرت وجهي صوب النافذة الزجاجية الكبيرة
انتابتني لحظة هدوء جميلة و أنا أتأمل تلك الحقول الشاسعة و زرقة السماء الناعمة و هي تتمدد بكل دفئ في الأفق، أغمضت عيني و أخذت نفسا عميقا محاولة إطلاق سراح التوتر القابع داخلي
فتحت عيني بعدما عمتني السكينة المطلقة فإذا بي ألمح أمامي ذلك الوجه المألوف، ارتعدت فرائسي و كأن ذاكرتي استدرجتني بسرعة الضوء إلى دهاليز الماضي و ذكرياته.. تلك الملامح الهادئة و الواثقة التي جعلتني أعيد صياغة وضع جلوسي على الكرسي و أتحقق من سلامة بصري لم تكن بالغريبة علي أبدا
يا الله كم تشبهها.. تمتمت في نفسي و لم أستطع إزاحة بصري عن الزاوية المقابلة التي تجلس فيها، خصلات شعرها الأسود الكستنائي متدلية بنعومة على جبينها، تضع يدها اليسرى الخالية من أي خاتم ارتباط فوق يدها اليمنى على فخذها و رجليها مائلتين جانبا بشكل أرستقراطي و كأنها امرأة من "كونتيسات" القرن السابع عشر.. ذلك الثغر الباسم الذي ينضح براءة طفولية و النظرات العميقة المصوبة نحو النافذة جعلتني أستعيد هدوئي من جديد لكن هذه المرة مع شيء من الحنين و الشوق لامرأة طبعت صورتها في ذاكرتي و أبت الاستسلام لعوامل الزمن التي تنحت و تمسح كل شيء
في اللحظة التي كنت أتفحص فيها ملامحها المألوفة و أعاود تقليب صور الماضي و أحاسيسه و هواجسه التي لاحقتني لوقت طويل أحسست بنظراتها تخترق جسدي بدون استئذان و تلامس فوهات أعماقي النائمة لتثيرها بكل سهولة و توقظ ذلك اللهيب الحارق بشكل لذيذ داخل شراييني.. انتفض جسدي من الهلع و كأنها اكتشفت أمري بعدما كنت أحاول الاقتراب من شيء ربما لم يكن يحق لي محاولة اكتشافه أو تفحصه بتلك الدقة من خلال نظراتي
ابتسمت لي.. لم أعط نفسي الفرصة حتى أتيقن أنها ابتسمت لي أنا لا لشخص آخر و بادلتها نفس الابتسامة بكل ود.. لا أدري لما يوجد هناك أشخاص نبتسم لهم من كل أعماقنا و تنشرح لهم النفس لتنطلق في عوالم من الحرية اللامتناهية
أصبحت أحاول استراق النظر إلى تلك الملامح التي طالما اشتقت إلى صاحبتها دون أن تكتشف أمري، لكن و رغم حذري كانت في كل مرة تصيبني بسهم من سهام نظراتها الموجهة صوبي و كأنها تقتنص اللحظة التي لا أكون فيها مستعدة لإبعاد ناظري عنها.. سألتني بكل هدوء
كم الساعة الآن ؟-
السادسة و النصف-
الوقت يمر بسرعة البرق- !!
...أومأت لها برأسي و بابتسامة واثقة على أنني أوافقها الرأي و زاغت عيناي نحو النافذة مجددا

كنت قد قطعت على نفسي وعدا ألا أدع لها الفرصة لتعجب من جديد بشخص يشبه حبيبتي السابقة، كنت قد قررت إقالة نفسي من المغامرات العابرة أو إقناعها بجدائية احتمال وجود علاقة جدية بعد خيبة الأمل التي تصيبني في منتصف طريق كل علاقة، إنني بكل بساطة لا أتقن فن الارتباط فأجد نفسي كطائر الأدغال لا أستحمل المكوث داخل قفص و لو كان من ذهب، أحب دائما مواسم الربيع فالحب فيها يكون مجرد إعجاب حلو عابث يجر كلى الطرفين إلى دنيا من الأحلام الوردية و تشرق فيها الشمس كل صباح دافئة هائمة في الأفق البعيد، ربيع الحب يسوده جنون الاكتشاف و لهفة الوصول إلى المحبوب .. يسوده الغموض الذي يجعل الإنسان يترنح و كأنه فوق حبل يقوده لجنة الحبيب، تارة يمشي بتأني و تارة أخرى يخطو خطوات ملأها التهور و الجرأة
أما حين يخيم الصيف على الحب و تصبح الأمور أكثر تعقيدا فتنبت أغصان المسؤولية و الالتزام بكل التفاصيل و الغيرة الساذجة التي تجعلك تتحسس من كل شيء و من أي شيء يتعلق بالحبيب.. فتتملكك رغبة عارمة بسبب ذلك العشق في التملك و تصبح أكثر أنانية و أكثر هوسا فتكثر المتاعب و تبدأ فصول المعانات
قررت ترك الارتباطات لمن يلهثون وراء عذاباتها فأنا أعشق الحرية بقدر ما تخنقني هيمنة شخص ما على عوالمي التي- أنا أيضا - لا أعي منها سوى القليل
التفت إليها مجددا، هذه المرة هي من كانت تتأملني.. نفضت عني غبار تلك الأفكار التي راودتني و انخرطنا معا في ثرثرة طويلة، نتبادل أطراف الحديث عن ظروف العمل و الحياة الاجتماعية و مكيف الجو المعطل بالقطار
لم نحس بمرور الزمن حتى إن القاطرة التي كنا نجلس داخلها خلت من الركاب الآخرين، لم يعد سوانا في المكان و بدأت الشمس تختفي وراء قمم جبلية تاركة وراءها حمرة بنفسجية و خيم الصمت على المكان
أحسست بخوف.. خوف من ذلك الجو الرومانسي و ذلك الصمت الذي يطلق العنان للغة العيون و الابتسامات بيننا، و بالرغم من أنني كنت أحاول اختلاق أي سؤال أو فكرة من أجل كسر جدار الهدوء الشاعري الذي بدأ يسدل ستاره على المكان إلا أنني لاحظت أنه كلما مر أحد أمام باب القاطرة الزجاجي باحثا عن مكان كنا نصده بنظراتنا معا و كأننا نقول له عد من حيث أتيت لا مكان لك هنا
كل شيء فيها كان يثيرني بشكل غريب، نبرة صوتها الحالمة، ضحكتها الصاخبة تارة و المتخابثة تارة أخرى
لم أستطع لجم شياطين جنوني بها، أحسست و كأن طيفي يفارقني ليجلس قربها، ليلمس وجنتيها و يشتم عطرها الأخاذ.. كنت بالكاد أرجع ذلك الطيف اللعين إلي حتى يتركني مرة أخرى و يتسلل بكل خفة إلى جانبها ليلمسها بجنون حذر، و حين أستشعر تجاوبها الملفت مع طيفي الغير مرئي ينتفض جسدي لشدة النشوة
يا إلهي أي جحيم من الشهوة أثرته علي.. همست في نفسي و أنا لا أقوى على اختلاق أي عذر لمغادرة المكان.. لبد لي أن أدعوها للعشاء في منزلي.. هكذا أقنعت نفسي حين طلبت منها رقم الهاتف
توقف القطار فأنزلت حقائبي من على الرف و ساعدتها في إنزال حقيبتها و هي تبتسم لي بكل ود، سارت أمامي صوب المخرج و أنا وراءها أحصي خطواتها المتثاقلة بكل رقة.. اشتد زحام الركاب على باب القطار فحاولت رفع رأسي لرأيتها لكنني تريثت حتى أنزل درج باب القطار و إذا بي أسمع صوتا يأتي من بعيد.. صوت طفلة صغيرة على ما يبدو تنادي : ماما... ماما .... التفت يسارا فرأيت طفلة صغيرة جميلة جدا تجري نحوها و ترتمي في حضنها: اشتقت إليك أمي.. قالتها بكل عفوية و هي تدفن وجهها في حضنها..حضن أمها
لم أنتظر طويلا و أنا أشاهد ذلك المشهد الغير متوقع فرجلاي قادتاني نحو باب الخروج من المحطة و في محاولة مني لإلقاء نظرة مجددا.. التفت ورائي نحوهما فرأيتها تلتفت يمينا و شمالا و كأنها تبحث عن شخص ما، أخذت أنظر إليها و أنا أخرج ورقة رقمها من جيبي و ألقيها في سلة المهملات...... يتبع