March 28, 2009

لنعطيها فرصة


منذ نعومة أظافرها نعلمها كيف تطيع دون تمرد نعلمها كيف تسمع الأوامر دون عصيان نعلمها كيف تحسب ألف حساب لأفعالها و أقوالها.. نعلمها كيف تستعد منذ أول يوم في حياتها لتكون ابنة مطيعة ثم أختا مطيعة ثم أخيرا زوجة مطيعة جدا
جدا

نزرع في عقل المرأة الباطن و الواعي هواجس مسار حياة مقرر لها أن تمشي عليها دون أن نعطيها الحق لتسأل لماذا حتى.. و تظل حياتها محطات انتظار لشخص مجهول، لا تعرف اسمه و لا كيف يفكر و لا عاداته.. ندع لها القوس مفتوحا لتطلق العنان لخيالها كي تتوقع ماهية ذلك الشخص القادم يوما و تحاول مسبقا أن تحضر نفسها لتكون أفضل هدية يمكنه الحصول عليها.

لا تتحدثي بهذه الطريقة ماذا سيقول عنك الناس؟ عذريتك هي كنزك لا تدعي أحدا يمسه.. لماذا قصصت شعرك بهذه الطريقة ماذا لو أتى أحدهم لخطبتك؟ يجب عليك أن تكوني طباخة ماهرة و عاملة تنظيف لا مثيل لها و مفكرة مناسبات لا تعرف الكلل.

و ننسى أو نتناسى أن شرف المرأة هو مبادئها و وعيها التام بذاتها قبل أن يكون مجرد كتلة هلامية من الشرايين الدموية الصغيرة و أن الأعمال التي نوجبها بها هي في الأصل غير ملزمة بتأديتها بل بطواعية منها و عن طيب خاطر.

و عوض أن نقسم تعاليم مجتمعاتنا المقدسة بالعدل بين الرجل و المرأة، فنعلمه مثلا كيف يحترم أمه و أخته ثم زوجته و كيف يكون مرتبا في حياته الشخصية و ألا ينتظر دائما من خادمة ما أن ترتب كل الفوضى التي يتركها وراءه كل يوم.. نلقي بثقل تلك المسؤولية على كتف تلك المسكينة.

حتى عندما تستقل المرأة بذاتها يكون استقلالها ليزال مربوطا بتلك الخيوط الخفية لأن قراراتها و تصرفاتها دائما تبقى رهينة ببرمجة مسبقة تشبعت بها أفكارها عن غير وعي يوما ما.. فبعض من زميلاتي في أيام الدراسة كن من الذكاء و المهارة بما يمكنهن من تسلق سلم النجاح الباهر في جميع المجالات العلمية لكن عندما تتحدث إلى إحداهن تقول بكل سذاجة أنها لن تتردد في ترك كل ما كافحت لأجله سنوات و ليال مع أول فرصة زواج معتقدة حد اليقين – بسبب تلك البرمجة – أن الهروب إلى الزواج هو أنجع حل لمشكلات العالم متجاهلة أننا حين نحب شخصا لا يجعلنا هذا نخضع له حد العبودية، لأن الحب الحقيقي لا يلغي شخصياتنا بل يجليها و لا يجب أن يقصي ذلك الجزء من الحرية الشخصية في حياتنا.

و كعادتنا... ننسى أنه لا داعي للصراخ و الهتاف و العويل في التعبير عن حقوق المرأة لأننا – كمجتمع – نحرمها من ذلك ونغلق أذاننا عن ذاك الصوت الداخلي الذي يدفعنا للإقرار بأن المرأة لم تخلق لوظيفة غريزية واحدة فقط بل هي كائن عاقل حر له الحق في اكتساب التوعية الكافية و العلم الكافي ليقرر مصيره بنفسه.



March 18, 2009

لحظة شوق



كان من المستحيل أن تعود بعدما افترقتا، بل كان من رابع المستحيلات أن تفكر في العودة مجددا لحبيبتها

بعد كل تلك المعانات التي تكبدتها لكي تلملم جراحات الفراق.. و لكي تستأصل ورم الحزن الذي كان يتجدر داخل أعماقها كل ثانية و يحيل كل المساحات الشفافة داخلها ظلالا سوداء

كان مرضها الوحيد و إدمانها الوحيد و نبيذها الوحيد و ذنبها الوحيد هو حبيبتها.. و بعدما أفاقت من غيبوبة العشق تلك لم تجد سوى عالم مليء بالكآبة و الضياع السحيق.. لطالما تساءلت كيف للإنسان أن يضع حياته و كل شيء يمتلكه بين يدي شخص آخر، شخص لم يفقه ربع ذلك الحب ليأتي بكل رعونة و يبعثر كل حلقات تلك الرابطة المقدسة التي علقت عليها من شرائط الأمل و العفوية و السعادة و يصنع منها حبلا من قسوة يشد به الخناق على كل إحساس جميل و كل نفس يحاول استنشاق الحياة

حاولت جاهدة عدم تذكر أي شيء يربطها بحبيبتها.. رغم أن مجرد ذكر اسمها أو شيء له علاقة بها يثير فيها جحيم الألم و المرارة.. و تلك الغيرة التي لم تنطفئ لها نار بمجرد أن تهدأ نفسها حتى تنشب في أوصالها لهيبها الحارق فتحس بغضب عارم يدفعها إلى الانتقام من خليلات حبيبتها خيالا

قررت قطع أي صلة بتلك الحبيبة التي لم يهزها البعد و لا الشوق و لم يهزها صوت أنين قلب حبيبتها منتصف كل ليلة.. حين تغط ضوضاء الحياة في صمت عميق و تجد نفسها تحت رحمة أنياب الوحدة الحادة

قررت أن تمتنع حتى عن الهمس لها داخل أعماقها، و بكل تلك الإرادة و الرغبة في سحق سيجارة الماضي تحت قدميها قاومت وجع التناسي و عادت للحياة من جديد محاولة إطلاق سراح معاناتها و عيش الحاضر بقوة...

إلى أن عصف بها الشوق في إحدى الليالي الشتوية الباردة، فسرت في جسدها الدافئ قشعريرة باردة جعلتها تحس برغبة في البكاء.. لبد أن أقنعتها كانت نائمة بعمق حينها لتقوم من سريرها بخطى خافتة و تتسلل بهدوء حتى لا تستيقظ كرامتها و عزة نفسها فتردعها عن القيام بعمل طائش

تسللت إلى درجها تشد كيانها أسلاك الشوق و روحها متلهفة لملامسة ذكريات حبيبة تاهت في سراديب النسيان، فتحت الدرج و أخرجت منه صندوقا خشبي ناعم الملمس بني اللون لم يفتح منذ أربع سنوات.. صندوق مليء برسائل الاعترافات و النظرات الأولى و الهمسات الأولى و أول كلمة حب و أول حرف شوق و مواعيدهما و أوراق ورود متناثرة و زجاجة عطر لازالت تحتفظ بعبقها المعتق.. تلك الرائحة كانت كافية لترجع بها أربع سنوات للوراء و تجعلها تحلق في سماء ذلك الحب الحالم الذي حكم عليه أن يظل حبيس تلك الرسائل و تلك الذكريات و ذلك الزمن

تلك الليلة كسر الشوق و الحنين سلاسل صمودها و مقاومتها و قادها إلى ما وراء الحدود.. أخذت تقرأ كل رسالة بتأني فتضحك تارة و تبكي أخرى و تضم إليها كل تلك الأشياء التي لمست يدي حبيبتها يوما

لم تدر لما تحتفظ بصندوق الرسائل ذاك لكنها لم تكلف نفسها عناء التفكير في الجواب فهنالك دائما أشياء أكبر من أن تستوعبها، السؤال الذي كان يشغلها هو عما إذا كانت حبيبتها تحتفظ هي الأخرى برسائلها.. هل ألقت بها في سلة المهملات في لحظة غضب؟ أم أحرقتها بنار المدفئة و أحرقت معها الشعور بالندم؟

حملت الصور بيديها..

هذه الصورة التقطت في الشاطئ، كانت مستلقية فيها على الرمال و حبيبتها مستلقية أمامها واضعة نظاراتها الشمسية الكبيرة و تلك الابتسامة المشاغبة مرسومة على محياها.. دققت النظر فيها و لمست وجهها بأصبعها لبرهة ثم دست الصورة تحت الرسائل بسرعة

هذه صورة أخرى تظهر فيها و هي تمسك بذراع حبيبتها التي سقطت من دراجتها الهوائية في الوحل و ضحكتهما تعلو المكان... و عيناهما مملوءتان بعشق عابث

أرجعت كل تلك الأشياء إلى الصندوق و مررت أصابعها لتمسح الدموع العالقة بعينيها و عادت لسريرها بعدما هدأت نفسها بعض الشيء

لطالما علمت أن حبيبتها لم تكن بذلك السوء لتتسبب في كل تلك الفوضى التي عمت حياتها بعد الفراق، لكنه الحب، جحيم الحب عندما يعود بخط الزمن إلى الوراء.

March 13, 2009

عندما نصنع لأنفسنا سجنا من كلماتنا



حينما كنت أقرأ قصص بعض من النساء اللاواتي أحببن نساء مثلهن مثل الشاعرة الإغريقية صافو و هند بنت عامر التي عندما ماتت حبيبتها رقاش بنت الحسن اليمينية اعتكفت على قبرها واتخذت الدير المعروف بدير هند في طريق الكوفة. و التي يقول فيها الفرزدق مخاطبا جرير بن عطية يهجوه

وفيت بعهد كان منك تكرما كما
لابنة الحسن اليماني وفت هند

قلت في نفسي أي نوع من النساء كن بعدما قارنت تضحيتهن و صدق مشاعرهن بمثليات اليوم ؟ و هل كن في حاجة لكثرة الكلام عن علاقاتهن كما نفعل اليوم.. فعوض أن يضيعن أوقاتهن في محاولة خلق حيز جديد للعيش فيه اكتفين بالعيش بطريقة عادية رغم العشق الكبير الذي أحسسن به
الآن أضطر لاستعارة مصطلح المثلية النسائية لأدل على من هي واقعة في غرام امرأة أو لها علاقة مع امرأة لسبب وحيد هو أنني أرى أن الأسماء لم تعد تهم سواء لقبت نفسي مثلية أو أي شيء من هذا القبيل لأن المثلية في هذه الأيام لم تعد تدل على تلك العلاقة الراقية التي تجمع بين امرأتين و لم يعد ذلك المصطلح يستحق أن يدافع عنه الإنسان كما كنت أفعل من قبل لأنه للأسف أصبح مثل واحة وسط صحراء قاحلة كل من هب و دب ينزل عندها و يستفيد من خيراتها و بعد ذلك – هذا إن رحل - يرحل تاركا وراءه كومة من تفاهاته
حتى الغرب الذي نقول أنه أول من أعطى الحقوق للمثليات و أول من اعترف بهن كأشخاص لهن الحق في التمتع بجميع الحريات هو أيضا لطخ صورة المرأة التي تحب امرأة مثلها .. لمدة من الزمن لم أستطع استيعاب سؤال كان يلح علي كثيرا هو لماذا كلما ذكر اسم المثلية إلا و رفقت معه صور خليعة .. لا أقف موقف الملاك هنا لكن لكل مقام مقال و المسائل الجنسية من خصوصيات العلاقة فنحن لسنا في حاجة إلى تعليق صور نساء شبه عاريات في السرير على جدران مدوناتنا لنعبر عن حرية المثلية و عن حقنا في العيش كمثليات
مثلا بعض الجمعيات المثلية التي تقوم بمظاهرات في الشوارع تجدهم يحملون صور لا علاقة لها بموضوع المظاهرة و نجد أن المشاركات و المشاركين يقومون بتقبيل بعضهم البعض أمام الناس كأنهم يقولون " أنظروا إلينا نحن لنا الحرية مثلكم في فعل أي شيء " لكنني أقول " إنكم أغبى من أن تفقهوا ما معنى أن يحب الإنسان إنسانا من نفس جنسه.. "

الغرب حين منح أبناه المثليين حق العيش بسلام لم يمنحهم بذلك مدينة أفلاطونية يعيشون محميين داخلها كما يعتقد الكثير لأن المثلية لا تقدم و لا تأخر بل هي مجرد توجه عاطفي أو جنسي لا علاقة له بفكر و لا بمذهب و لا مبادئ و هذا الكلام موجه للناس التي لا تريد أن تفهم أن الشخص هو قيمته الإنسانية قبل أن يكون مثلي أو حتى كائن فضائي
أما مثلياتنا العربيات فلا نفرق بينهن و بين الغربيات إلا بالهوية و الاسم لأن معظمهن أصبح يحب اللايف ستايل الغربي بمفهومه السطحي طبعا
المشكلة الآن لم تعد مسألة مثلية أو مجرد حب و علاقة بين شخصين فقط بل تخطت ذلك لتصبح مشكلة تربية و أخلاق و علاقات متعددة لا أول لها و لا آخر، و بالتالي فالمثلية أصبحت فلسفة معقدة كل يفسرها بطريقته الخاصة
أما ردة الفعل السلبية التي نواجهها من الناس لها سببين السبب الأول هو قلة الوعي المتفشية في مجتمعاتنا المقوقعة و السبب الثاني هو عدم احترام بعض المثليات لأنفسهن
باختصار ليست المثلية هي من تصنع رقي الإنسان في حبه و علاقاته لكن الإنسان الراقي هو من يرقى بكل شيء إلى الأفضل


March 9, 2009

على هامش الصفحة



لم تكن بدايتي مع المثلية بسبب تحرش جنسي أو عدم وجود العنصر الذكوري في محيطي أو بسبب الكثير من النظريات الساذجة التي يتداولها البعض، بل هي أحاسيس بدأت بالظهور حين كان يجب علي أن أشعر بالحب اتجاه شخص ما في بداية سنوات المراهقة عندما نكتشف ذواتنا من خلال الشخص الآخر

كانت على صورة غلاف حياتي، أحببتها بعفوية دون أن أسأل نفسي لماذا.. طبعا مسألة الأسئلة التي تشهر أنيابها في وجوهنا جاءت في ما بعد.. كان مجرد حب، حب هوسي لا يعرف أي شكل من أشكال الجنس أو الشهوة

كل ما تمنيته حينها هو أن أحميها – لم أدري ممن – و أغمرها بحبي و حناني رغم أن فارق السن كان شاسعا لكنني أحسست برغبة عارمة في احتوائها

مرت السنوات و عشت عدة حالات عاطفية مع نساء لا أذكر أنه كان هناك قاسم مشترك بينهن، لا في السن و لا في الشكل و لا في الفكر... القاسم المشترك الوحيد الذي كان بينهن هو أنـــا

و على طول الطريق عايشت كل تلك المراحل التي قد تمر بها أي امرأة مثلية أو ببعضها : حب، خيال، واقع، علاقات، اضطهاد المجتمع، صراع نفسي و آخر مع الآخرين، مرحلة الوعي و تقبل الذات و أيام كان طابعها التمرد على العادات و التقاليد و العقول غير المعقولة في نظري طبعا

انتهى بي المطاف إلى الانخراط في إحدى المنظمات التي تدافع عن حقوق المثلية كعضو فاعل و الكتابة من أجل حقوق المثليات إن صح التعبير و الدفاع باستماتة عن قضاياهن التي كانت قضيتي بالدرجة الأولى في المنتديات و غيرها

و بعد كفاح عفوي لا ينتظر مقابلا من أحد و دفاع عن أناس لا أعرفهم خيل إلي في الوهلة الأولى أنهم مثل نفسي، خرجت بعدة خلاصات مفادها سيأتي في ما بعد