March 18, 2009

لحظة شوق



كان من المستحيل أن تعود بعدما افترقتا، بل كان من رابع المستحيلات أن تفكر في العودة مجددا لحبيبتها

بعد كل تلك المعانات التي تكبدتها لكي تلملم جراحات الفراق.. و لكي تستأصل ورم الحزن الذي كان يتجدر داخل أعماقها كل ثانية و يحيل كل المساحات الشفافة داخلها ظلالا سوداء

كان مرضها الوحيد و إدمانها الوحيد و نبيذها الوحيد و ذنبها الوحيد هو حبيبتها.. و بعدما أفاقت من غيبوبة العشق تلك لم تجد سوى عالم مليء بالكآبة و الضياع السحيق.. لطالما تساءلت كيف للإنسان أن يضع حياته و كل شيء يمتلكه بين يدي شخص آخر، شخص لم يفقه ربع ذلك الحب ليأتي بكل رعونة و يبعثر كل حلقات تلك الرابطة المقدسة التي علقت عليها من شرائط الأمل و العفوية و السعادة و يصنع منها حبلا من قسوة يشد به الخناق على كل إحساس جميل و كل نفس يحاول استنشاق الحياة

حاولت جاهدة عدم تذكر أي شيء يربطها بحبيبتها.. رغم أن مجرد ذكر اسمها أو شيء له علاقة بها يثير فيها جحيم الألم و المرارة.. و تلك الغيرة التي لم تنطفئ لها نار بمجرد أن تهدأ نفسها حتى تنشب في أوصالها لهيبها الحارق فتحس بغضب عارم يدفعها إلى الانتقام من خليلات حبيبتها خيالا

قررت قطع أي صلة بتلك الحبيبة التي لم يهزها البعد و لا الشوق و لم يهزها صوت أنين قلب حبيبتها منتصف كل ليلة.. حين تغط ضوضاء الحياة في صمت عميق و تجد نفسها تحت رحمة أنياب الوحدة الحادة

قررت أن تمتنع حتى عن الهمس لها داخل أعماقها، و بكل تلك الإرادة و الرغبة في سحق سيجارة الماضي تحت قدميها قاومت وجع التناسي و عادت للحياة من جديد محاولة إطلاق سراح معاناتها و عيش الحاضر بقوة...

إلى أن عصف بها الشوق في إحدى الليالي الشتوية الباردة، فسرت في جسدها الدافئ قشعريرة باردة جعلتها تحس برغبة في البكاء.. لبد أن أقنعتها كانت نائمة بعمق حينها لتقوم من سريرها بخطى خافتة و تتسلل بهدوء حتى لا تستيقظ كرامتها و عزة نفسها فتردعها عن القيام بعمل طائش

تسللت إلى درجها تشد كيانها أسلاك الشوق و روحها متلهفة لملامسة ذكريات حبيبة تاهت في سراديب النسيان، فتحت الدرج و أخرجت منه صندوقا خشبي ناعم الملمس بني اللون لم يفتح منذ أربع سنوات.. صندوق مليء برسائل الاعترافات و النظرات الأولى و الهمسات الأولى و أول كلمة حب و أول حرف شوق و مواعيدهما و أوراق ورود متناثرة و زجاجة عطر لازالت تحتفظ بعبقها المعتق.. تلك الرائحة كانت كافية لترجع بها أربع سنوات للوراء و تجعلها تحلق في سماء ذلك الحب الحالم الذي حكم عليه أن يظل حبيس تلك الرسائل و تلك الذكريات و ذلك الزمن

تلك الليلة كسر الشوق و الحنين سلاسل صمودها و مقاومتها و قادها إلى ما وراء الحدود.. أخذت تقرأ كل رسالة بتأني فتضحك تارة و تبكي أخرى و تضم إليها كل تلك الأشياء التي لمست يدي حبيبتها يوما

لم تدر لما تحتفظ بصندوق الرسائل ذاك لكنها لم تكلف نفسها عناء التفكير في الجواب فهنالك دائما أشياء أكبر من أن تستوعبها، السؤال الذي كان يشغلها هو عما إذا كانت حبيبتها تحتفظ هي الأخرى برسائلها.. هل ألقت بها في سلة المهملات في لحظة غضب؟ أم أحرقتها بنار المدفئة و أحرقت معها الشعور بالندم؟

حملت الصور بيديها..

هذه الصورة التقطت في الشاطئ، كانت مستلقية فيها على الرمال و حبيبتها مستلقية أمامها واضعة نظاراتها الشمسية الكبيرة و تلك الابتسامة المشاغبة مرسومة على محياها.. دققت النظر فيها و لمست وجهها بأصبعها لبرهة ثم دست الصورة تحت الرسائل بسرعة

هذه صورة أخرى تظهر فيها و هي تمسك بذراع حبيبتها التي سقطت من دراجتها الهوائية في الوحل و ضحكتهما تعلو المكان... و عيناهما مملوءتان بعشق عابث

أرجعت كل تلك الأشياء إلى الصندوق و مررت أصابعها لتمسح الدموع العالقة بعينيها و عادت لسريرها بعدما هدأت نفسها بعض الشيء

لطالما علمت أن حبيبتها لم تكن بذلك السوء لتتسبب في كل تلك الفوضى التي عمت حياتها بعد الفراق، لكنه الحب، جحيم الحب عندما يعود بخط الزمن إلى الوراء.

12 comments:

  1. كلمات رائعة دافئة لكن مؤلمة
    ما أصعب لحظات ولسعات الشوق بعد الفراق

    شاهدت جميع الموضوعات احييكي فعلا على الاسلوب الراقي
    شكرا لقلمك
    دمتي بخير وكثير من الحب

    ReplyDelete
  2. عزيزتى

    قصتك جميلة اوى مثلما تنتهى لحظات السعادة سريعا فتكون دائما لحظات الفراق فيها من القصوة ما يجعلنا نحى فى محرقة الفراق والبعد

    دمتى بخير

    ReplyDelete
  3. هكذا نحن نعشق وللحب نعلن انفسنا اسر ى
    ويأتي الفراق و تدفن المشاعر
    و لا نعرف للحياة اي مجرى




    كلمات رائعة و إحساس اروع تقبلي تحياتي ومروري المتواضـــــــــــــــــــــع

    ReplyDelete
  4. سلام

    شكرا لحسن استقبالي في البوست السابق و احيي اسلوبك في الحوار

    ارجع لي هذا البوست

    لما قرأته حسيت انكي رائعة ان تنظري لي حبك و جرحك حنينك من نظرة محايدة الاني انا متاكدة انو القصة تروى فراق انتي عشتيه الانو الكلمات من قوة معانيها ما تكون الا محسوسة في صميم الب التى خطت هاته السطور

    اسلوبك الغير جارح ملئ بالحنان و الحنين جميل و مأثر

    و خاصة هاته الجملة التي اظهرتي فيها كل جمال انسانة احترمت الحبيبة و الحب

    طالما علمت أن حبيبتها لم تكن بذلك السوء لتتسبب في كل تلك الفوضى التي عمت حياتها بعد الفراق، لكنه الحب، جحيم الحب عندما يعود بخط الزمن إلى الوراء.

    احترامي الك

    kiss

    ReplyDelete
  5. نبرة مؤثرة وشيء من الحسرة

    صحيح جحيم الحب مرير و الاشتياق امر

    sos-lady!!

    ReplyDelete
  6. هاي , لقد عرفت من تكونين إنطلاقا من أسلوبك ،من كلماتك ،و من طريقة تعبيرك..المهم يا صاحبة الموهبة و الأحاسيس الراقية، أشعر بك تماما، وأرجوك..نعم أرجوك بألا تتحسري وبأن لا تندمي ،لأنك بذلك تغرقين نفسك في الألم و المعانات ، فإمرأة مثلك لا تستحق أن تتألم ،كما أن الشخص الذي تتألمين من أجله لا يستحق حبك حتى.

    ReplyDelete
  7. عزيزتي،
    اسمع المك، صوتك و صمتك... لا زلت ايضا احتفظ بشالها، صورها و رسائلها... في الأمس بكيت شوقا و اليوم بكيت ألما... لأنها ايضا لا زالت تسكنني حتى بعد 4 سنوات!

    ReplyDelete
  8. شكرا للقصه الحقيقه

    صافي الود

    ReplyDelete
  9. حين تمضي 4 سنوات دون أن نشفى
    تطل الأسئلة برؤوسها المحيرة
    الإجابة واضحة..فمن يعشق دائما الأقل قدرة على النسيان
    خاصة في ظل زلزال خساراته..
    للقلب صدوعه المذهلة..
    وأيضا تعافيه القادم

    ReplyDelete
  10. AnGel
    ما أصعبه حين يأتي على حين غرة
    شكرا لتواجدك
    تحياتي

    -----
    عاشقة حبيبي
    أحيانا نحس بالفراق و نحن مع الحبيبة
    دمتي بخير

    -----
    Anonymous
    شكرا لمرورك

    -----
    Liza_Lez
    كوننا نعاتب تلك الحبيبة التي من الممكن أنها تركتنا يوما ما
    لا يجعلنا نكرهها مهما حصل لأن الحب الذي أحسسنا به يوما اتجاهها فوق كل ألم
    ربما نحن من لنا يد في الألم الذي نحس به
    لكن من عادة الانسان ان يلقي اللوم و العتاب على الأخر
    تحياتي

    -----
    sos-lady
    لا نحس بمرارة الشوق و حرارته حتى نفقد من نحب
    أتمنى أن نعي ذلك حتى نحافظ على من نحب قبل فقدانه
    شكرا لمرورك

    ----
    sara
    ليست لدي فكرة عما قلتي لكن
    يبقى مرورك مشكورا ها هنا
    تحياتي

    -----
    فلسطينية مثلية
    مشكلة الانسان انه رغم مرور الوقت لا يطلق سراح ماضيه
    ماذا لو أعطينا فرصة جديدة لأنفسنا؟
    تحياتي

    -----
    أبنوسة
    شكرا لمرورك
    دمتي بود

    ----
    كتابة
    للقلب صدوعه المذهلة..
    وأيضا تعافيه القادم
    هذا ما نحتاجه
    الحياة تستمر رغم الألم لماذا سنقف على الأطلال مطولا
    تحياتي لك

    ReplyDelete
  11. hahahahahaha......dahaktini wlah.....wa m3aman nti !!!!!

    ReplyDelete
  12. كم هو عميق ألم الفراق

    فمازالت تسكنني حتى بعد 10 سنوات من الفراق


    كتباتك رااائعه جدا

    استمري

    ReplyDelete